الجيش الصينيّ… حامي الحلم الصيني والحزام والطريق
وارف قميحة: رئيس جمعية طريق الحوار اللبناني الصيني
رأي
وارف قميحة: رئيس جمعية طريق الحوار اللبناني الصيني
- المصدر: “النهار”
- 22 تموز 2019
“جيش التحرير الشعبي الصيني هو جيش الشعب، ينبغي لكل قادته وجنوده أن يحفظوا في أذهانهم المبدأ الأساسي وهو خدمة الشعب من صميم القلب، وأن يؤدّوا مسؤوليتهم المقدسة بإخلاص وهي الدفاع عن أمن الوطن الأمّ، ومعيشة الشعب السلمية، وأن ينفّذوا رسالتهم المقدسة بأمانة وهي حماية السلام العالمي”. (الرئيس الصيني شي جينبينغ).
تحتفل الصين في الأول من شهر آب من كل عام بذكرى تأسيس جيش التحرير الشعبي الصيني، وهذا العام تصادف الذكرى الثانية والتسعون على قيام القوات المسلحة بقيادة الشيوعيين إثر انتفاضة في مدينة نانتشانغ عاصمة مقاطعة جيانغشي بشرق الصين في الأول من آب عام 1927، ما مثّل ميلاد القوات المسلحة للحزب الشيوعي الصيني. ومثّلت انتفاضة نانتشانغ الطلقة الاولى في محاربة رجعيّي الكومينتانغ، وسُجلت كحدث عظيم في التاريخ الثوري بالصين، واجتاز الجيش الصيني عدة مراحل، ابتداءً من الجيش الثوري للعمال والفلاحين الصينيين، ثم الجيش الأحمر للعمال والفلاحين الصينيين، فجيش الطريق الثامن، وصولاً إلى الجيش الرابع الجديد، الذي حمل اسمه الحالي في تشرين الأول عام 1946. كما شارك في عدة حروب أبرزها حرب الثورة الأرضية (1927-1937)، وحرب المقاومة ضد اليابان (1937-1945)، وحرب التحرير (1945-1949).
يمثّل جيش التحرير الشعبي أكبر قوة عسكرية بريّة في العالم حيث يصل عديد القوات إلى 975000 جندي، أي حوالي 48% من القوى العاملة لدى جيش التحرير الشعبي (2.035.000 مليونان عام 2018 تقريباً) يضاف إليهم جيش من الاحتياط قوامه 510.000 (وفقاً لتقديرات عام 2018).
يتكوّن جيش التحرير الشعبي الصيني من خمس وحدات: القوة البريّة، والبحريّة، والقوات الجوية، وقوة الصواريخ، وقوة الدعم الاستراتيجي. جيش التحرير الشعبي الصيني هو أكبر قوة عسكرية في العالم، وتشكل ميزانيته ثاني أكبر ميزانية للدفاع في العالم (177.9 مليار دولار عام 2019) وتمثل 1.3% من الناتج المحلي الاجمالي للصين. إنها واحدة من أسرع القوى العسكرية تحديثًا في العالم، وقد تمّ تصنيفها كقوة عظمى عسكرية محتملة، مع قدرة دفاع إقليمية كبيرة، وقدرات إسقاط قوة عالمية متزايدة. شهد الجيش الصيني العديد من الاصلاحات في العقود الأخيرة ومنها خفض العدد. (أعلنت الصين في العام 2015 أنها ستخفّض 300.000 من عدد العسكريين فيها) وتقوية العتاد والتكنولوجيا العسكرية، كما تم العمل على مبدأ حوكمة الجيش وفقاً للقانون وبصرامة، وإظهار دور الأعمال السياسية كشريان الحياة في تقوية ونهوض الجيش بشكل مستفيض.
جميع هذه الاصلاحات في الدفاع الوطني والجيش هي من متطلبات العصر لتحقيق حلم الصين وهو حلم السلام والتنمية والتعاون المشترك، وحلم الجيش القوي، ولهذه الغاية تمّ تشكيل منظومة من القوة العسكرية الحديثة ذات الخصائص الصينية، والتي تتمثّل في وجود القدرة على كسب النصر في شتى المعارك وعلى الأخص المعلوماتية، وأداء الرسائل، والمهام بشكل فعّال، إنفاذاً لاستراتيجية تقوية الجيش بالإصلاح على نحو شامل.
لم تعتمد الصين التي تطورت من دولة فقيرة وضعيفة إلى ثاني أكبر اقتصاد في العالم، على التوسع العسكري الخارجي والنهب الاستعماري، بل اعتمدت على عمل شعبها الدؤوب والمكافح، كما حلّت مشكلة الكساء والغذاء لأكثر من مليار وثلاثمئة مليون شخص، وانتشلت أكثر من ثمانمئة وخمسين مليون شخص من الفقر.
إن نجاح بكين في استضافة دورة الألعاب الاولمبية عام 2008 هو أول المعالم البارزة التي أظهرت بقوة للمجتمع الدولي أن الصين الآن بلد عظيم يحيي مجده، وقوة ناشئة تغمرها روح المغامرة، وتتقدم بسرعة كبيرة، وتتمتع بخبرة تراكمت عبر عقود عدة، وقد برهن الحدث على مغزى مهم جداً، وهو إذا كانت الدول الكبرى الأخرى تستطيع أن تصنع شيئاً، فإن الصين أيضاً تستطيع بل يمكنها أن تصنعه بشكل أفضل وأسرع وأقوى. وليس من قبيل الصدفة أنه بعد أشهر من دورة بكين الاولمبية يتمكّن رائد فضاء صيني من السير في الفضاء لأول مرة، ويرفع علم الصين الأحمر ذا الخمس نجوم في الفضاء، وتحقق الصين هذا الانجاز بمفردها تماماً، ويصبح ترتيبها الثالث عالمياً في مجال السير في الفضاء بعد روسيا وأميركا.
إن تسارع وتيرة التنمية الاقتصادية في الصين في السنوات الاخيرة، ووصول الناتج المحلي إلى المركز الثاني عالمياً، هو أكثر المؤشرات قدرة على إظهار القوة المتكاملة للصين التي أصبحت محط الأنظار والاهتمام من جميع الاطراف بعد أن تخطى نظيره الياباني لأول مرة، لتصبح الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة الاميركية، وبذلك غادرت اليابان في العام 2010 المركز الثاني كقوة اقتصادية لأول مرة منذ عام 1969، ما اعتبره البعض أنه نهاية تاريخ إهانة الصين والتكبر الياباني، وبداية إحياء الصين، ورمزاً لنقل السلطة في شرق آسيا.
مبادرة الحزام والطريق
في خريف 2013، أي بعد ثلاثة أشهر من لقاء الرئيس الصيني شي جينبينغ نظيره الأميركي باراك أوباما، اقترح الرئيس الصيني شي جينبينغ في قازاقستان وإندونيسيا على التوالي، بناء الحزام الاقتصادي لطريق الحرير وطريق الحرير البحري للقرن الـ21. خلال خمس سنوات فقط، تحولت مبادرة الحزام والطريق من مفهوم إلى منصّة رئيسية لبناء مجتمع مصير مشترك للبشرية، ومنفعة عامة على المستوى الدولي، لاقت ترحيباً كبيراً، ولكنها شكّلت بالمقابل الهاجس الاستراتيجي الخطير لدى الادارة الاميركية، وخوفها من التنامي السريع للاقتصاد الصيني، مع التقديرات بأن يحلّ في المرتبة الاولى عالمياً، وهذا الأمر ليس بعيداً خصوصاً عندما ندرك عزيمة ثبات الصين، البلد الذي لديه تاريخ مجيد من الحضارة القديمة يمتد لآلاف السنين، وهو بلد متخلف، وعانى من اعتداء القوة الخارجية، وتم الانتهاء منه خلال العصر الحديث.
هذه المبادرة التي تعتبر أيضاً من المخاوف التي تقضّ مضاجع الادارة الاميركية بعد أن أصبحت هذه المبادرة عالمية حيث احتوت قرارات هامة صدرت عن الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن تشير إلى هذه المبادرة. وبحلول الربع الاول من العام 2019، وقّعت أكثر من 150 دولة ومنظمة دولية على وثائق تعاون مع الصين في إطار مبادرة الحزام والطريق (الصين وقّعت وثائق تعاون لمبادرة “الحزام والطريق” مع 17 دولة عربية، وأقامت شراكة استراتيجية وشراكة استراتيجية شاملة مع 12 دولة عربية من ضمنها لبنان)، ما وسع نطاق المبادرة من أوراسيا إلى أفريقيا وأميركا اللاتينية ومنطقة الكاريبي ومنطقة جنوب الباسيفيك.
أعلنت الصين تخصيص 40 مليار دولار أميركي لإقامة صندوق طريق الحرير لدعم مشروعات الحزام والطريق. كما تم إنشاء مؤسسة مالية جديدة متعددة الأطراف اقترحتها الصين، وهي البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية. وفي 14-15 أيار 2017، عُقد منتدى الحزام والطريق الأول للتعاون الدولي في العاصمة الصينية بكين، وحضره قادة الدول والحكومات من 29 دولة، حيث ضم المنتدى أكثر من 1600 مشارك من أكثر من 140 دولة و80 منظمة دولية. وبحلول 26 آب 2018، وصل عدد قطارات الشحن بين الصين وأوروبا إلى 10 آلاف. وتخطت تجارة الصين للبضائع مع الدول على طول الحزام والطريق 5.5 تريليونات دولار أميركي، ووصل الاستثمار الصيني المباشر في القطاعات غير المالية في هذه الدول إلى أكثر من 80 مليار دولار أميركي. وخلال السنوات الخمس الماضية، أسست الصين 82 منطقة تعاون اقتصادي وتجاري في الدول الواقعة على طول الحزام والطريق، حيث استثمرت الصين 28.9 مليار دولار وخلقت نحو 244 ألف وظيفة محلية، وبحلول أيار 2018، وقّعت الصين على 16 اتفاقية تجارة حرّة مع 24 دولة ومنطقة، يقع نصفها على طول الحزام والطريق. كما في الشهور السبعة الأولى من 2018، زادت الشركات الصينية من استثماراتها في 54 دولة على طول الحزام والطريق، فالاستثمارات الجديدة المضافة التي بلغت 8.55 مليارات دولار أميركي مثلت 11.8 في المئة زيادة على أساس سنوي. وتقدر قيمة عقود البناء الجديدة على طول الحزام والطريق بـ57.11 مليار دولار. وفي إطار المبادرة، أقامت الصين 81 مؤسسة تعليمية ومشروعاً تعليمياً، إضافة إلى 35 مركزاً ثقافياً في الدول على طول الحزام والطريق. وفي النصف الأول من 2018، أنفقت الصين أكثر من 270 مليون يوان (39.3 مليون دولار تقريباً) على مِنَح طريق الحرير الدراسية.
خمس سنوات ونيف على مبادرة الحزام والطريق القائمة على مبادئ “التشارك في التشاور والبناء والمنعة المتبادلة” كانت كفيلة بتسعير الحرب بين الولايات المتحدة الاميركية والصين، من المجال التجاري إلى المجال الاقتصادي وغيره من المجالات.
مبادرة الحزام والطريق تواجه التهديدات الأمنية وظاهرة الارهاب ومشغّليه، ستبقى تشكل تحدياً كبيراً وخطيراً أمام حماية أنابيب النفط والغاز والسكك الحديدية والخطوط البريدية والبحرية.
“ستحتاج الصين إلى الكثير من الاستثمارات وعلى رأسها الاستثمار في الجيش القوي للحدّ من هذه المخاطر، الأمر الذي يتطلب دفع قضية تقوية الجيش، والتركيز على الاستعداد الدائم للحرب. لا يمكن أن ننسى الخطر ونحن في مأمن، ولا يمكن أن ننسى الاضطراب ونحن في وضع مستقر. هنالك وسائل واختبارات عديدة لنا في الدفاع عن السلم والحفاظ على الأمن ومنع نشوب الحرب. لكن الوسيلة العسكرية هي الوسيلة النهائية دائماً”، على حدّ تعبير الرئيس الصيني شي جيبينغ.