رأي
شينجيانغ الإيغورية شريان “طريق الحرير” الجديد بين المطرقة وقوى الشر الثلاث
شريان "طريق الحرير" الجديد بين المطرقة وقوى الشر الثلاث
29-11-2020 المصدر: النهار العربي
وارف قميحة*
من المعروف أن استخدام الدين هو أسلوب درجت عليه الكثير من الدول والقوى لخدمة أهدافها السياسية والاقتصادية، وأيضاً للتأثير في القرارات الرسمية وبنية السلطة، حتى في وحدة المجتمعات. وبهذا المعنى فإن إثارة الموضوع الديني في إقليم شينجيانغ ليست بريئة ولا تهدف الى خدمة العرق أو الدين أو حقوق الإنسان بقدر ما تريد التوصل الى إرباك المشروع الصيني المتمثل بمبادرة “الحزام والطريق” الذي يمر بهذه المنطقة الاستراتيجية، وهو أمر تعمل عليه الولايات المتحدة وغيرها من بعض الدول الغربية باستخدام ملف المسلمين الإيغوريين باعتبار أن قطع “طريق الحرير” الجديد هو مصلحة مشتركة لهم، إضافة الى غايات أخرى.
شينجيانغ جزء لا يتجزأ من الأراضي الصينية
أكد كتاب أبيض صدر عن مكتب الإعلام لمجلس الدولة الصيني بتاريخ 21 تموز (يوليو) 2019 تحت عنوان “مكافحة الإرهاب والتطرف وحماية حقوق الإنسان في شينجيانغ” أن شينجيانغ جزء لا يتجزأ من الأراضي الصينية وأن هذا الأمر غير قابل للجدل، لافتاً إلى أن شينجيانغ منطقة متعددة الأعراق منذ العصور القديمة، ولطالما شكلت جزءاً لا يتجزأ من الأمة الصينية، كما أن الثفافة العرقية في شينجيانغ تعد جزءاً لا ينفصل من الثقافة الصينية وأن مجموعة الإيغور العرقية نشأت بعد عملية طويلة من الهجرة والتكامل العرقي، مؤكداً “أنها ليست من أحفاد الترك”، وفي التاريخ الصيني لا وجودَ أبداً لدولة عُرِفَت باسم “تركستان الشرقية”، ولطالما كانت شينجيانغ تحتضن أدياناً متعددة منذ وقت طويل. وفي مطلع القرن العشرين، ومع ظهور”القومية التركية” و”القومية الإسلامية” في شينجيانغ، سيّس انفصاليون من داخل الصين وخارجها المبدأ الجغرافي مُتلاعبين بمعانيه، وعملوا على تحريض جميع المجموعات العرقية التي تتحدث اللغات التركية وتَدِينُ بالإسلام للانضمام إليهم في خلق الدولة الثيوقراطية لـ”تركستان الشرقية”.
كل الأسر المتعاقبة التي حكمت الصين اعتبرت المناطق الغربية جزءاً من الأراضي الصينية ومارست حق الولاية على شينجيانغ. وقومية الويغور ظهرت خلال عملية طويلة من الهجرة والاندماج، وهي جزء من الأمة الصينية. وذكر “الكتاب الأبيض” أنه منذ أكثر من ألفي سنة مضت، كانت شينجيانغ بوابة للحضارة الصينية للانفتاح على الغرب، وقاعدة هامة للتبادل والاتصال الثقافيين بين الشرق والغرب.
الأهمية الاستراتيجية لإقليم شينجيانغ
يمثل إقليم شينجيانغ ذو الغالبية المسلمة بالنسبة الى الصين أكبر منتج للنفط و للغاز الطبيعي، وهو المنتج الأول للقطن الطويل التيلة والنافذة الوحيدة للصين على حدود ثماني دول مجاورة وعلى دول آسيا الوسطى. وتمثل المنطقة سدس الأراضي الصينية، كما أنها بمثابة سد منيع لصد تدفق “الإرهابيين” من أفغانستان وباكستان إلى الصين.
يعدّ هذا الإقليم الواقع في شمال غربي الصين غنياً بموارد النفط والغاز الطبيعي والفحم، وهو أيضاً ممر استراتيجي لنقل النفط والغاز الطبيعي من دول وسط آسيا إلى مناطق شرق الصين ووسطه. كانت شينجيانغ ولا تزال تتمتع بأهمية تجارية عالمية كبرى، إذ كان طريق الحرير يمر بها، وهو الممر الاقتصادي الذي يربط بين الصين ووسط غرب آسيا. ويبدأ هذا الممر من إقليم شينجيانغ غرب الصين ويعبر وسط آسيا ثم يصل الى الخليج والبحر المتوسط وشبه الجزيرة العربية ماراً بخمس دول في وسط آسيا هي كازاخستان وقيرغستان وطاجيكستان وأوزبكستان وتركمانستان و17 دولة في غرب آسيا (الشرق الأوسط)، من بينها إيران والعراق وسوريا ودول الخليج ومصر.
فليس من باب المصادفة أن يختار الرئيس الصيني شي جينبينغ عاصمة كازاخستان، الدولة الأقوى في آسيا الوسطى اقتصادياً، ليطلق منها عام 2013 مبادرة الحزام والطريق التي تركز على خمسة مجالات هي: التنسيق في ما بين السياسات الإنمائية وإنشاء بنى أساسية ومرافق وشبكات، وتعزيز الاستثمار والعلاقات التجارية، وتحسين التعاون المالي وتكثيف التبادل الاجتماعي والثقافي.
منظمة شانغهاي للتعاون والأمن القومي الصيني
تحتاج الكثير من بلدان آسيا، مثل بلدان منظمة شانغهاي للتعاون، إلى مواجهة التحديات الأمنية التقليدية وغير التقليدية التي تشمل “قوى الشر الثلاث” وتهريب المخدرات والفقر المدقع والنزاعات الحدودية.
كانت المهمة الأساسية للمنظمة حينما أسست في حزيران (يونيو) 2001، بناء الثقة المتبادلة وحماية الأمن عبر الحدود وتعزيز التعاون في مكافحة الإرهاب، وعلى مدى السنوات الـ19 الماضية، نمت المنظمة لتصبح أكبر منظمة إقليمية على مستوى العالم للتعاون الشامل، سواء لجهة المساحة التي تغطيها أم لجهة عدد السكان الذين تمثلهم وتغطي ثلاثة أخماس القارة الأوراسية، وما يقرب من نصف سكان الأرض.
مخاوف الصين المشروعة وسعيها الحثيث الى مكافحة الانفصالية والعنف والإرهاب “قوى الشر الثلاث” كانت ولا تزال من باب حرصها على أمنها القومي، إذ تخشى عبور جماعات من الأيغور، وهم جماعات منفية تابعة لحركة “تركستان الشرقية الإسلامية” (أدرجت وزارة الخزانة الأميركية حركة تركستان الشرقية الإسلامية، منظمة إرهابية في عام 2002 خلال فترة التعاون الأميركي – الصيني في مكافحة الإرهاب، في أعقاب هجمات 11 ايلول (سبتمبر) 2001، وتُصنف الحركة على أنها منظمة إرهابية بموجب قرار أميركي يحمل رقم 13224) من منطقة واخان إلى شينجيانغ لشن هجمات. خصوصاً أنهم اكتسبوا خبرة في القتال نتيجة لخوضهم معارك إلى جانب “طالبان” ومجموعات مسلحة أخرى. والصين لا تريد أن يعود المقاتلون إلى أراضيها؛ خوفاً من قيامهم بعمليات مسلحة. كما تخشى أيضاً عبور مقاتلين من تنظيم داعش الإرهابي، فروا من العراق وسوريا عبر منطقة آسيا الوسطى وشينجيانغ للوصول الى أفغانستان، أو عبورهم من واخان الى الصين.
مراكز التعليم والتدريب المهني
بناءً على الخبرة المكتسبة من المجتمع الدولي، نشطت الصين في تنفيذ قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة (60/288) بشأن إستراتيجية الأمم المتحدة العالمية لمكافحة الإرهاب، إذ تعمل جاهدة للقضاء على الظروف المؤدية إلى انتشار الإرهاب، والوقاية منه، ومكافحته، وهو عمل يهدف إلى احترام حقوق الإنسان وحمايتها.
تم إنشاء مراكز التعليم والتدريب بهدف تأهيل الأشخاص المذنبين بارتكاب جرائم صغيرة أو خرق القانون والقضاء على تأثير الإرهاب والتطرف، وذلك لمنعهم من الوقوع ضحايا للإرهاب والتطرف، والوقاية من الأنشطة الإرهابية في مهدها.
وأشار الكتاب الأبيض الصادر عن مجلس الدولة الصيني إلى أن شينجيانغ ساحة معركة رئيسية في مكافحة الإرهاب والتطرف في الصين، وقد عانت أحياناً من الإرهاب والتطرف الديني، ما فرض تهديداً خطيراً لمعيشة الشعب في المنطقة.
ما بين عام 1990 ونهاية عام 2016، قام انفصاليون ومتطرفون دينيون وإرهابيون بالتخطيط والتنفيذ لآلاف الأعمال الإرهابية مثل التفجيرات والاغتيالات والتسميم والحرق العمد والاعتداءات وأعمال الشغب في شينجيانغ. وراح ضحيتها العديد من الأبرياء والمئات من ضباط الشرطة أثناء تأديتهم واجبهم، بينما كانت الخسائر في الممتلكات فادحة.
كما أنه يتم احترام حق المتدربين في استخدام اللغات العرقية المنطوقة والمكتوبة ولا يتم التدخل في حرية المعتقدات الدينية للمتدربين، ولا تقوم بأي محاولات لدفعهم إلى تغيير معتقداتهم الدينية.
ونتيجة لذلك، لم تشهد شينجيانغ وقوع حوادث إرهابية لنحو أربع سنوات، وذلك منذ بدء تطبيق برامج التعليم والتدريب، والوضع العام في المجتمع يواصل استقراره، فالسياحة في شينجيانغ تطورت بسرعة في العام الماضي، وبلغ إجمالي عدد السائحين من الداخل والخارج أكثر من 150 مليون شخص بزيادة 40 في المئة على أساس سنوي، وبلغ عدد السائحين الأجانب 2.6 مليون شخص بزيادة 12 في المئة تقريباً على أساس سنوي.
مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة
قام دبلوماسيون بارزون أعضاء في بعثات دائمة لثماني دول في مكتب الأمم المتحدة في جنيف بزيارة منطقة شينجيانغ الأيغورية الذاتية الحكم خلال الفترة من الـ16 إلى الـ19 من شباط (فبراير) 2019 تلبية لدعوة من وزارة الخارجية الصينية، وأجمع الدبلوماسيون على أن الحكومة الصينية أحرزت تقدماً في ملاحقة الإرهاب ومنعه من خلال القانون، بالإضافة إلى حماية الحرية الدينية لمواطنيها والحفاظ على تقاليد المجموعات العرقية وثقافتها.
وفي آب (أغسطس) 2020، رفض قنغ شوانغ، نائب مندوب الصين الدائم لدى الأمم المتحدة، اتهامات مندوبي الولايات المتحدة وبريطانيا بشأن شينجيانغ، مشيراً إلى أن “لا أساس لها من الصحة وسخيفة”، مضيفاً أن “الوضع في شينجيانغ شأن داخلي محض للصين، وليس قضية تتعلق بدين أو حقوق الإنسان، ولكنها تتعلق بمكافحة الإرهاب والتطرف”، ومتطرقاً إلى زيارة أكثر من 70 وفداً أجنبياً شينجيانغ منذ أواخر عام 2018 “حيث رأوا مباشرة أن منطقة شينجيانغ مستقرة ومزدهرة ومتطورة”. وفي المناقشة العامة للجنة الثالثة للدورة الـ75 للجمعية العامة للأمم المتحدة في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، دعمت 45 دولة في بيان مشترك الإجراءات التي تتخذها الصين في شينجيانغ.
الجمعية الإسلامية في شينجيانغ
وفقاً لوكالة “رويترز”، بتاريخ 26 أيلول (سبتمبر) 2020 نفت وزارة الخارجية الصينية مزاعم معهد بحثي أسترالي عن أنها دمرت آلاف المساجد في منطقة شينجيانغ، وقالت إن هناك أكثر من 24 ألف مسجد، بواقع مسجد واحد لكل 530 مسلماً “وهو عدد أكبر من عدد المساجد الموجودة في كثير من الدول الإسلامية. وهو أكثر من 10 أمثال الموجود في الولايات المتحدة”.
تصريح وزارة الخارجية الصينة أكده تقرير صدر بتاريخ 3 تشرين الثاني (نوفمبر) 2020 عن الجمعية الإسلامية في منطقة شينجيانغ بعنوان “تقرير حول حرية المعتقد الديني في شينجيانغ”، أعربت فيه عن معارضتها الشديدة لمغالطات مثل ما يسمى “القيود المفروضة على حرية المعتقد الديني”، و”الحرمان من الحقوق الدينية لمواطني الأقليات القومية”، و”الهدم القسري للمساجد”، و”اضطهاد المتدينين”، التي نشرتها القوى المناهضة للصين في الولايات المتحدة والغرب.
وأشار التقرير إلى أن حرية المعتقد الديني تحققت بالكامل في شينجيانغ، وتم احترام عادات المسلمين في الطعام والاحتفالات. وخلال شهر رمضان هذا العام، وبسبب تفشي وباء فيروس كورونا الجديد، أرسلت الحكومة طاقماً طبياً إلى المساجد لتقديم خدمات طبية، بالإضافة الى الأطعمة الإفطارية للمسلمين.
كما تم تدريب أكثر من 4000 من طلاب الدراسات العليا والجامعيين وطلاب المدارس الثانوية بواسطة المعهد الصيني للدراسات الإسلامية ومعهد شينجيانغ للدراسات الإسلامية وثمانية من فروعه. ومنذ عام 1996، سافر أكثر من 50000 مسلم إلى مكة المكرمة للحج على متن طائرات مستأجرة رتبتها الحكومة، وقدمت الحكومة خدمات طبية وخدمات ترجمة مع وفود الحجاج لضمان سير أداء فريضة الحج بشكل آمن ومنظم.
التنمية والقضاء على الفقر المدقع
تمكنت كل المحافظات العشر جنوب شينجيانغ من القضاء على الفقر، حسبما أعلنت حكومة المنطقة في 14 تشرين الثاني (نوفمبر) 2020، حيث توجد أكبر صحراء بالبلاد. كان السكان المحليون يحصلون على الحد الأدنى من الدخل والخدمات العامة بسبب طبيعة البيئة القاسية والبنية التحتية الضعيفة. وأصبح لديهم الآن وصول ثابت إلى التعليم والرعاية الطبية، من بين أمور أخرى.
وقال تشن لي، المفتش في مكتب تخفيف حدة الفقر في المقاطعة، إن جميع محافظات شينجيانغ الفقيرة البالغ عددها 32 محافظة وأكثر من 3.08 ملايين من السكان الفقراء المسجلين فيها تخلصوا من الفقر المدقع.
إن المحاولات المبذولة لإثارة المسألة الدينية تحت مسمى اضطهاد المسلمين الايغور في شينيجانغ لن يكتب لها النجاح، لأن الصين لن تقف مكتوفة الأيدي إزاء هذه المحاولات، فضلاً عن أن ليس هنالك من معضلة تجعل اندماج هذا الإقليم في المشروع الصيني أمراً متعذراً، وعليه، فإن الإثارة الإعلامية عبر شتى وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية التي تنشأ في المنطقة العربية خصوصاً، وفي العديد من الدول الإسلامية هي ذات أهداف سياسية واقتصادية تصبّ في خدمة تطويق الصين والعمل على حصارها وعزلها عن الامتداد الاقتصادي والاجتماعي والثقافي نحو مناطق مجاورة.
*رئيس معهد طريق الحرير للدراسات والأبحاث – كونفوشيوس